مقال(1)

مقال(1)

تعليق على حديث «ما من امرأة تضع ثيابها.. إلخ».

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فقد ورد السؤال عن صحة فهم عدم جواز (تبديل المرأة ملابسها في السوق لمعرفة المقاس) استنباطًا من قول النبي «مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا هَتَكَتِ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا»، أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.

نقول وبالله تعالى التوفيق:

الحديث أخرجه أحمد باللفظ نفسه، وأخرجه ابن ماجه بلفظ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَضَعَتْ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا)، وأخرجه أبو داود بلفظ (مَا مِنَ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا)، ولا تنافي بين وضع الثوب وخلعه.

وهذا الحديث وارد على سبب، ومعرفة سبب ورود الحديث أمر مهم في فهمه، وسبب وروده هو بيان حكم دخول النساء الحمَّام، أي: المكان الذي يُغتسل فيه بالماء الحار، لا بيت الخلاء (مكان قضاء الحاجة) كما هو شائع اليوم.

فتمام حديث الترمذي: (أَنَّ نِسَاءً مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ دَخَلْنَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: أَنْتُنَّ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ نِسَاؤُكُنَّ الحَمَّامَاتِ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا هَتَكَتِ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا»، وفي مسند أحمد: (عَنْ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، تَقُولُ: خَرَجْتُ مِنَ الْحَمَّامِ فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ؟  قَالَتْ: مِنَ الْحَمَّامِ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنَ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ أَحَدٍ مِنْ أُمَّهَاتِهَا، إِلَّا وَهِيَ هَاتِكَةٌ كُلَّ سِتْرٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّحْمَنِ».

وفي كتاب “فيض القدير” للعلامة المناوي الشافعي (ج3:ص136): “(وضعت ثيابها في غير بيت زوجها) كناية عن تكشفها للأجانب وعدم تسترها منهم”، فخلع المرأة ثوبها في غير بيت زوجها يلزم منه كشف عورتها لمن لا يحل نظره إليها، فعلة النهي هي كشف العورة لمن لا يحل نظره إليها، ويشهد لذلك حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها عند مسلم وغيره أنها استأذنت النبي في الانتقال من بيت زوجها بعد أن طلقها ثلاثًا «فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: أَيْنَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَكَانَ أَعْمَى، تَضَعُ ثِيَابَهَا عِنْدَهُ وَلَا يَرَاهَا»، أي: تبدل ملابسها في إحدى غرف بيته دون أن يختلي بها، وليس أمامه مباشرة.

وذهب السادة الشافعية إلى كراهة دخول النساء إلى الحمَّام بلا عذر، فإن وجد عذر كالتداوي، زالت الكراهة.

ففي كتاب “الإقناع” للعلامة الخطيب الشربيني الشافعي (ج1:ص249) ومثله في كتاب “مغني المحتاج” له أيضًا: “أَمَّا النِّسَاءُ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ [أي: دخول الحمَّام] بِلَا عُذْرٍ؛ لِخَبَرِ: «مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَلِأَنَّ أَمْرَهُنَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي السَّتْرِ، وَلِمَا فِي خُرُوجِهِنَّ وَاجْتِمَاعِهِنَّ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ..”.

الخلاصة:

بناء على ما تقدم، فإن كان (تبديل المرأة ملابسها في السوق لمعرفة المقاس المناسب) فيه كشف للعورة فيحرم، وإلا فقد يكره إن كان لغير عذر كأن تقيس الملابس للذة فقط، ومن الأعذار معرفة المقاس المناسب حتى لا تشتري ما لا يناسبها فتخسر ثمنه، أو تضطر للخروج مرة أخرى من بيتها لتبديله، والله تعالى أعلم.

تنبيه:

جاء في حاشية “اللآلئ الـمُضِيَّة” لرائد المرتعة العلمية على “الأنوارِ السَّنيةِ” للشيخ عبد الحميد قدس الشافعي المكي رحمه الله تعالى: “ومثل الحمَّام اليوم بركة السباحة، فتُكره للنساء بلا عُذر، ومن العُذْر التداوي بالسباحة، وتعلمها، والله أعلم”، هذا مع وجوب ستر العورة.

***

قسم البحث والفتوى في المرتعة العلمية