بيان(3)

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان (3) بشأن الجزم بتفضيل سيدنا أبي بكر الصِّدِّيق على الصحابة رضي الله عنهم

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه العدول الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..

فإن من عقائد أهل السنة والجماعة التي تؤمن بها (المرتعة العلمية) أن الصحابةَ -رضيَ اللهُ عنهم- كلَّهم عدولٌ، أي: مُؤْتَمَنون على الوحي، صادقون في تبليغ الدين، وأفضلُهم الخلفاء الراشدون الأربعة حسب ترتيبهم في الخلافة، فبقيةُ العشرةِ المبشرين بالجنة، فبقيةُ البدريين، فأهلُ أحدٍ، فأهلُ بيعةِ الرضوان، فبقيةُ الصحابةِ، فالتابعون لهم بإحسان، فتابعُ التابعين. ونحب جميع الآل والأصحاب، ونوقرهم، ونقتدي بهم، ونمسك عما وقع بينهم من النِّزاعِ؛ ونراهم مأجورين متفاضلين، وشرفُ القَرابة والصُحْبةِ ثابتٌ لهم.

تفضيلُ الصِّدِّيق على الصحابة رضي الله عنهم من مسائل العقيدة

§       قال الإمام الطحاوي في عقيدته الشهيرة:

((ونُثبِت الخلافة بعد رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أولًا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ تفضيلًا له وتقديمًا على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم لعثمان رضي الله عنه، ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديُّون)).

§       وقال العلامة ابن رسلان الشافعي في "صفوة الزبد":

((وبَعدَهُ فالأفضَلُ الصِّدِّيقُ ... والأفضَلُ الثاني له الفاروقُ

عُثمانُ بعدَهُ كذا عليُّ ...      فالسِّتَّةُ البَاقُونَ فالبَدْرِيُّ))

§       وفي "جمع الجوامع" للإمام تقي الدين السبكي مع شرحه للإمام المحلي [ج2:ص490-491]:

[(ونعتقد أن خير الأمة بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم أبو بكر خليفته، فعمر، فعثمان، فعلي أمراء المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين) لإطباق السلف على خيريتهم عند الله على هذا الترتيب، وقالت الشيعة وكثير من المعتزلة: الأفضل بعد النبي صلى الله عليه وسلم علي].

§       وقال العلامة اللقاني المالكي في "جوهرة التوحيد":

((وَخَيْرُهُمْ مَنْ وُلِّيَ الْخِلاَفَةْ ... وَأَمْرُهُمْ فِي الْفَضْلِ كالْخِلاَفَةْ))

§       وقال العلامة ابن بلبان الحنبلي في "قلائد العقيان" [ص264]: ((ومن فضَّل عليًا على أبي بكر أو عمر، أو قدَّمه عليهما في الفضيلة والإمامة دون النسب فهو رافضي ومبتدع فاسق غير كافر)).

انعقاد الإجماع القطعي على تفضيل الصِّدِّيق على الصحابة رضي الله عنهم

نقل كثير من الأئمة كالغزالي والنووي والزركشي وابن حجر العسقلاني انعقاد الإجماع على تفضيل سيدنا أبي بكر على سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

§       قال الإمام الشهاب الرملي في "فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان" [ص80]: ((أن أفضل الأمة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، وهذا مجمع عليه، ولا مبالاة بتفضيل الخطابية عمر، والشيعة عليًا، والراوندية العباس)).

§       وقال الإمام ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الحديثية" [ص113]: ((أَفضَلِيَّة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ على الثَّلَاثَة ثمَّ عمر على الاثْنَيْنِ مجمع عَلَيْهِ عِنْد أهل السّنة لَا خلاف بَينهم فِي ذَلِك، وَالْإِجْمَاع يُفِيد الْقطع)).

§       وقال الإمام الشمس الرملي في "غاية البيان شرح زبد ابن رسلان": [(وَبعده) أي: بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والأنبياء (فَالْأَفْضَل) أَبُو بكر (الصّديق) وَهَذَا مجمع عَلَيْهِ، وَلَا مبالاة بِمَا يُخَالِفهُ.. لإطباق السَّلف على أفضليتهم عِنْد الله على هَذَا التَّرْتِيب].

حكم تفضيل سيدنا علي على سيدنا أبي بكر رضي الله عنهما في المذاهب الأربعة

§       في "حاشية ابن عابدين" [ج4:ص70] وهي معتمد السادة الحنفية في الإفتاء والقضاء: ((الرَّافِضِيّ كَافِرٌ إنْ كَانَ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ، مُبْتَدِعٌ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ سَبٍّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ.)).

§       وفي "حاشية الصاوي" وهي معتمد السادة المالكية في الإفتاء والقضاء [ج1:ص394]: ((وَخَرَجَ الْمَقْطُوعُ بِعَدَمِ كُفْرِهِ كَذِي بِدْعَةٍ خَفِيفَةٍ كَمُفَضِّلِ عَلِيٍّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ؛ فَهَذَا لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ اقْتَدَى بِهِ)).

§       وفي "تحفة المحتاج" (ج8:ص119) و"نهاية المحتاج" (ج7:ص36) وهما معتمد السادة الشافعية في الإفتاء والقضاء ما نصه: ((وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ حِنْثُ رَافِضِيٍّ حَلَفَ أَنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَمُعْتَزِلِيٍّ حَلَفَ أَنَّ الشَّرَّ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ مِنْ الْعَقَائِدِ الْمَطْلُوبِ فِيهَا الْقَطْعُ؛ فَلَمْ يُعْذَرْ الْمُخْطِئُ فِيهَا مَعَ إجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى خَطَئِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا)).

§       وفي "الفروع" للعلامة ابن مفلح الحنبلي [ج11:ص340]: ((وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ لَا تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يَفْسُقُ الْمُقَلِّدُ فِيهَا لِخِفَّتِهَا مِثْلُ مَنْ يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ..)).

تفضيلُ سيدنا علي على سيدنا أبي بكر رضي الله عنهما تشيعٌ

إنَّ من يفضل سيدنا عليًا على سيدنا أبي بكر رضي الله عنهما يصير شيعيًا مخالفًا لعقائد أهل السنة والجماعة، ومخالفُ عقائد أهل السنة والجماعة مبتدعٌ كما نص على ذلك الإمام ابن حجر في "تحفة المحتاج" [ج10: ص235] والإمام الرملي في "نهاية المحتاج" [ج8: ص305].

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" [ج1:ص459]: ((والتشيع محبَّة علي وتقديمه على الصحابة، فَمن قدمه على أبي بكر وَعمر فَهُوَ غال فِي تشيعه وَيُطلق عَلَيْهِ رَافِضِي وَإِلَّا فشيعي)).

التحذير من المبتدع

§       قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "فتح الوهاب" [ج3: ص331]: [(وَيَجِبُ) كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْأَذْكَارِ وَغَيْرِهِ (ذِكْرُ عُيُوبِ مَنْ أُرِيدَ اجْتِمَاعٌ عَلَيْهِ) لِمُنَاكَحَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَمُعَامَلَةٍ وَأَخْذِ عِلْمٍ (لِمُرِيدِهِ)؛ لِيَحْذَرَ بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ سَوَاءٌ اُسْتُشِيرَ الذَّاكِرُ فِيهِ أَمْ لَا].

§       وقال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" [ج6:ص358]: ((تنبيه: لو قال العالم لجماعة: لا تسمعوا الحديث من فلان فإنه يخلط، أو لا تستفتوا منه فإنه لا يحسن الفتوى لم ترد شهادته؛ لأن هذا نصح للناس، نص عليه في الأم، قال: وليس هذا بعداوة ولا غيبة إن كان يقوله لمن يخاف أن يتبعه ويخطئ باتباعه)).

§       وقال الإمام ابن حجر الهيتمي في "ثبته" [ص61- بتحقيق الشيخ الدكتور أمجد رشيد] ما نصه: ((ولقد قال بعض أكابر أئمتنا: من حفظ الله الباهر لهذه الشريعة الغراء، أن علماءها استُقرئت أحوالهم الاستقراء الكامل، المفيد للعلم القطعي الذي لا مِرْية فيه ولا شبهة بوجه، فلم يحفظ عن أحد منهم أنه تجاوز عن فلتة أو غلطة أو سهو أو جهل لغيره، وإن كان أباه أو ابنه أو أخاه أو عمَّه، بل يشدد الواحد منهم النكير على أقرب الناس إليه، لأدنى إيهام صدر منه لم يقصدْه ولا عول عليه)).

فكل قول خالف الإجماع أو ثوابت جمهور أهل السنة فهو مردود، ونحذر منه، ونحفظ لقائله فضله إن كان عدلًا عالـمًا، فإن ثبت كون القائل فاسقًا أو مبتدعًا أو كثير الخطأ، حذرنا من القائل أيضًا.

هذا، وإنَّ (المرتعة العلمية) لتدعو إلى التعايش الشرعي والرقي في التعامل بين المسلمين فيما بينهم على اختلاف مذاهبهم من جهة، وبين المسلمين وغيرهم من الديانات من جهة أخرى، تعايشًا يثمر الأمن والسلام، كما تؤيد الحوار العلمي الـمُثْمِر، وتحذر من الجدال الذي يهدف ويؤدي إلى تمزيق وحدة الصف ولحمة المجتمع.

***

قسم البحث والإفتاء في المرتعة العلمية

28 شوال 1443

29 مايو 2022

Leave a Reply