مَن نَحنُ؟

مَعْلَمة شرعية، ومرجعية فكرية، وطريقة دعوية، بلا انتماءات سياسية، ولا ولاءات حزبية، تنبثق عنها حلقات لتدريس العلوم

.الشرعية النقلية والعقلية سعيًا للوراثة النبوية
.تأسست في مملكة البحرين المحروسة في 25 جمادى الأولى 1437هـ، يوافقه 5 مارس 2016م

الاشتقاق اللغوي لعبارة (المرتعة العلمية) والدليل الشرعي عليه ​

(الْمَرْتَعَة): على وزن مَفْعَلَة. اسم مكان، واسم زمان، والمراد هنا اسم المكان وهو الاسم المشتق الدال على مكان وقوع الفعل. وتاء التأنيث في آخرها للمبالغة. وهي مشتقة من الرَّتْع. يُقال: رَتَعَ يَرْتَعُ رَتْعًا.

وفي معجم مقاييس اللغة لابن فارس (ت:395) [ج2:ص486] أن ((الرَّاءُ وَالتَّاءُ وَالْعَيْنُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ; وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الِاتِّسَاعِ فِي الْمَأْكَلِ. تَقُولُ: رَتَعَ يَرْتَعُ، إِذَا أَكَلَ مَا شَاءَ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الْخِصْبِ. وَالْمَرَاتِعُ: مَوَاضِعُ الرَّتْعَةِ، وَهَذِهِ الْمَنْزِلَةُ يَسْتَقِرُّ فِيهَا الْإِنْسَانُ)).

وقد اخترنا كلمة (المرتعة) تأسيًا وتبركًا بكلام سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- لورود هذه الكلمة في الحديث الذي أخرجه أحمد والترمذي والحاكم عن سيدنا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا، قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ:حِلَقُ الذِّكْرِ)).

وقد ورد عن الصحابيين الجليلين عبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أن حِلَق الذكر هي مجالس الفقه، وورد عن التابعي الجليل عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رضي الله عنه أن مجلس الذكر هو مَجْلِسُ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ، وَكَيْفَ تُصَلِّي؟ وَكَيْفَ تَصُومُ؟ وَكَيْفَ تَنْكِحُ؟ وَكَيْفَ تُطَلِّقُ؟ وَتَبِيعُ وَتَشْتَرِي؟

وفي رواية أخرى أخرجها الترمذي عن سيدنا أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: الْمَسَاجِدُ، قُلْتُ: وَمَا الرَّتْعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ)).

وفي رواية ثالثة أخرجها الطبراني في معجمه الكبير عن سيدنا ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ، فَارْتَعُوا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: مَجَالِسُ الْعِلْمِ)).

ولاتعارض بين هذه الروايات، بل التوفيق بينها واضح بأن نقول: إن (رياض الجنة) هي حلقات الذِكْر: أي مجالس دراسة وتدريس العلوم الشرعية من تفسير وحديث وعقيدة وفقه وأصوله وتزكية وآلاتها من صرف ونحو وبلاغة ومنطق وغيرها.

وإن أشرف البقاع التي تعقد فيها هذه المجالس هي المساجد، وأن مما ينبغي أن تُفتَتح به هذه المجالس وتختتم به هو ذكر الله تعالى ومنه الباقيات الصالحات: (سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ).

وقد يَسأل سائل: لماذا سَمَّى النبي- صلى الله عليه وسلم- حِلق الذكر أو المساجد أو مجالس العلم والفقه برياض الجنة؟

الجواب: استعمل النبي- صلى الله عليه وسلم- المجاز المرسل كأسلوب بلاغي عربي أصيل للتعبير عن معنى شريف عزيز ألا وهو حض المسلمين والمسلمات وحثهم على الاجتماع على ذكر الله تعالى وطلب العلم الشرعي، فهو مجاز مرسل علاقته السببية والمسببية، أي: أن ذلك الاجتماع وما يقع فيه من خير هو سبب عظيم من أسباب دخول الجنة.

ويجوز أن يكون ذلك على سبيل الاستعارة التصريحية، فشبه النبي- صلى الله عليه وسلم- حلق الذكر ومجالس العلم برياض الجنة بجامع الكمال في كلٍ، فكما أن دخول الجنة هو ذروة الكمال الأخروي للمؤمنين والمؤمنات، فكذلك دخول حلقات الذكر ومجالس العلم الشرعي هو ذروة الكمال الدنيوي للمؤمنين والمؤمنات.

ويجوز أن يكون ذلك على سبيل الاستعارة المكنية، فأصل التركيب (رياض حلق الذكر) أو (رياض المساجد) حيث شبه حلق الذكر والمساجد بمكان له رياض متنوعة الأزاهر، وإضافة الرياض- الذي هو لازم المشبه به إلى المشبه- استعارة تخييلية، وذكر (فارتعوا) ترشيح للمشبه به، والله أعلم.

وبعد أن تقرر هذا المعنى في نفسك وعلمت فضل مجالس العلم والصلة الوثيقة بين مجالس العلم في الدنيا وبين رياض الجنة في الآخرة؛ سَهُل عليك أن تعرف سبب قول النبي- صلى الله عليه وسلم- (فارتعوا).

فقوله- صلى الله عليه وسلم- (فارتعوا) بصيغة الأمر: استعارة تصريحية تبعية، شبه خوض المسلم في ذكر الله تعالى واستزادته من العلم الشرعي برتع الدواب في الأرض الخصبة، أي: بأكلها الشديد المبالغ فيه، ثم حذف المشبه، واشتق من الرتع ارتعوا.

فالمعنى: أن- النبي صلى الله عليه وسلم- يأمر أمته على وجه الاستحباب أن يقصدوا حلقات ذكر الله تعالى ومجالس العلم الشرعي لاسيما في المساجد، وأن يبذلوا كل ما في وسعهم للانتفاع بما يقال ويفعل فيها. بل قد صح في الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أن من يحضر هذه الحلقات والمجالس ولو بغير قصد الذكر وطلب العلم الشرعي فإنه يؤجر على ذلك ويغفر له. وقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه الحديث وفيه: ((.. قال: فيقول: [أي: رب العزة تبارك وتعالى] فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم)). فالحمد لله تعالى على فضله وإحسانه.

مبادئ المرتعة العلمية

[توحيد- تمذهب- تزكية]

رسالة المرتعة العلمية

[تبليغ الحق إلى الخلق]

والحق هو ثوابت جمهور أهل السنة.

أهداف المرتعة العلمية

(أ) تعليم المسلمين والمسلمات أحكام الدين الإسلامي الضرورية.

(ب) تثقيف المسلم بثوابت جمهور أهل السنة، وتأهيله لتبليغها، وحراستها.

(ج) إعداد علماء ربانيين مؤهلين لتدريس العلوم الشرعية النقلية والعقلية، وتخريج فقهاء متمكنين من الإفتاء على مذهب
الإمام الشافعي.

ثوابت جمهور أهل السنة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ القائلِ: ﴿يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآء﴾، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِنا محمدٍ القائلِ: «إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ، فَارْتَعُوا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: مَجَالِسُ الْعِلْمِ»، وعلى آلهِ الطيِّبين الطاهِرين، وصحبِه العدولِ الميامين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ..

((القسم الأول: في العقائد))

أولًا- الإلهيات

فاعلم أن أول ما يجب شرعًا على المكلف -وهو العاقل، البالغ، سليم السمع أو البصر، الذي بلغته الدعوة الإسلامية- هو أن يعتقد جازمًا:

بأنَّ الله -جلَّ وعزَّ- متصفٌ بكل كمال، مُنزَّهٌ عن كُل نَقْصٍ، وأنَّ الله واجبُ الوجودِ لذاتِه. قديمٌ بلا ابتداءٍ. باقٍ بلا انتهاءٍ. واحدٌ في ذاتِهِ وفي صفاتِهِ وفي أفعالِهِ. مخالفٌ لغيرِهِ من المخلوقاتِ الحادثةِ. مُستغنٍ عن كلِّ ما سواه، مفتقرٌ إليه كلُّ ما عداه. حيٌ لا يموتُ. عالمٌ بكلِ معلومٍ. قادرٌ على كلِّ ممكن. مريدٌ لكل كائن. متكلمٌ بكلامٍ نفسيٍّ قديمٍ غيرِ حادثٍ ليس بصوتٍ ولا حرفٍ. سميعٌ. بصيرٌ.

صفاتُهُ الوجوديةُ كلُّها قديمةٌ، فلا يتصفُ بصفةٍ وجوديةٍ حادثةٍ. ولا يوصفُ ربُّنَا -جَلَّ وعزَّ- بصفات المخلوقين، فليس الله تعالى بجسم ذي أجزاء، ولا يحتويه مكان، ولا يحدُّه زمان؛ لأنه خالق المكان والزمان، ولا يُحَدُّ بجهة من الجهات الست، ولا يَحُّل الله تعالى في خلقه، ولا يتَّحِد بهم، ولا يكتسبُ من خلقِهِ للمخلوقات كمالًا، فهو بصفاتِهِ بعدَهم كما كان قبلَهم.

التَّنزيه

وكلُّ خَبَرٍ مُتشابهٍ توهَّمَ منه الجاهلُ نقصًا في حقِّ اللهِ تعالى كـتوهم الحلول في المكان من قوله تعالى:﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ﴾، وكتوهم العضو من قوله تعالى:﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾، وكتوهم الحركة من قوله :«ينزلُ ربُنا -تبارك وتعالى- كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا»، فمذهبُ جمهور السلف الصالح وبعض الخلف العدول تفويضُ معناهُ بأن نقول: الله أعلم بمراده، ومذهبُ جمهور الخلف العدول وبعض السلف الصالح تأويلُ معناه بما يناسِبُه من كلام العرب المقبول شرعًا بأن نقول: هو مجاز، فـ(من فِي ٱلسَّمَآءِ) هم الملائكة، و(وَجْهه) هو مُلْكُه، و(ينزلُ ربُنا)، أي: ينزلُ أمرُ ربنا، أو ينزل الــمَلَكُ بأمر ربنا.

حدوث العالم

كانَ اللهُ ولم يكنْ شيءٌ غيرهُ ولا قبلَه ولا معَه، وأن يعتقد جازمًا بأنَّ اللهَ -تعالى- خلقَ العالمَ بإرادتِهِ واختيارِهِ، فالعرش والكرسي والسماوات والأرضون وما فيهما وما بينهما: حادثة مخلوقة من العدم.

الكسب

 وأن يعتقد جازمًا بأنَّ اللهَ يخلق أفعال العباد ويوجدها من العدم، وأنَّهم مكتسِبُوها باختيارهم غير مجبورين عليها، يثابون ويعاقبون في الدنيا والآخرة بناءً على هذا الكسب القائم بهم.

الله فاعل مختار

وأن يعتقد جازمًا بأنَّ اللهَ يُثيبُ ويعاقبُ بإرادتِهِ، ليس ذلك بواجبٍ عليه، بل كلُّ أفعالِ اللهِ بإرادتِهِ واختيارِهِ ليس شيءٌ منها بواجبٍ عليه، ولا يفعل لعلةٍ أو غرضٍ أو حاجةٍ.

ثانيًا- النبوات

وأن يعتقد جازمًا بأنَّ اللهَ اختارَ أن يُنزِلَ رسالاتِه إلى البشرِ، وليس ذلك واجبًا عليه.

وأنَّ الأنبياء متصفون بكلِ كمالٍ بشري، مُنزَّهون عن كُلِ نَقْصٍ، وأنهم صادقون لا يكذبون على اللهِ، مؤيدون بالمعجزاتِ الدَّالةِ على صدقِهم فيما يُبلغون عن اللهِ، وأنهم بلَّغُوا جميعَ ما أُمروا بتبليغِه. وأنهم أمناءُ على الشريعةِ، معصومون -دونَ غيرهم من البشرِ- عن كل فعلٍ منهي عنه شرعًا، لا يخونون اللهَ بقولٍ ولا بفعلٍ، أذكياءُ فطِنون.

ثالثًا- السمعيات

وأن يعتقد جازمًا بالملائكةِ والجنِّ، وبالكتبِ السماويةِ، وبالأنبياءِ والرسلِ، وأفضلُهم سيدُّنا محمدٌ خاتِمُ الأنبياءِ والمرسلين، أرسله اللهُ تعالى إلى الخلقِ كافة، وأبقى شرعَه إلى يومِ القيامةِ، وأنَّ جميعَ الإنس والجنِّ بعدَ ظهورِ بعثتِهِ مكلفون باتِّباعِ شريعتِهِ. وبأنَّ الإسراءَ والمعراجَ بالروحِ والجسدِ.

وأن يعتقد جازمًا بالأولياءِ وكراماتِهم، وبعلاماتِ الساعةِ، وباليومِ الآخرِ، وبالقضاءِ والقدرِ: خيرِهِ وشرِّهِ، وبالبرزخِ، وبسؤالِ الملَكين للميْتِ بعدَ ردِّ روحِهِ إليهِ عن ربِّه ودينِهِ ونبيِّهِ، فيجيبهما بما يوافقُ ما ماتَ عليه من إيمانٍ أو كفرٍ، وبنعيمِ القبرِ وعذابِهِ للروحِ والجسدِ.

وبالبعثِ، وبالحشرِ، وبالحسابِ، وبالميزانِ، وبالصراطِ، وبحوضِهِ ، وبالشفاعةِ، وبأنَّ الجنةَ التي هي دارُ الثوابِ والنارَ التي هي دارُ العذابِ أوجدهما اللهُ بالفعلِ فيما مضى ويبقيان إلى ما لانهايةَ له، وبالحُورِ والوِلدانِ.

وبأنَّ المؤمنين سيرون الله في الجنة، بلا حيزٍ ولا حدٍّ ولا جهةٍ له سبحانه وتعالى، كما يعلمُونَه منزهًا عن ذلك.

والأصلُ في أحوالِ القيامةِ التصديقُ بها على ظاهرِ ما أخبر به النبيُّ ؛ إذ لا موجبَ لتأويلِها.

والصحابةُ -رضيَ اللهُ عنهم- كلُّهم عدولٌ، أي: مُؤْتَمَنون على الوحي، صادقون في تبليغ الدين، وأفضلُهم الخلفاء الراشدون الأربعة حسب ترتيبهم في الخلافة، فبقيةُ العشرةِ المبشرين بالجنة، فبقيةُ البدريين، فأهلُ أحدٍ، فأهلُ بيعةِ الرضوان، فبقيةُ الصحابةِ، فالتابعون لهم بإحسان، فتابعُ التابعين. ونحب جميع الآل والأصحاب، ونوقرهم، ونقتدي بهم، ونمسك عما وقع بينهم من النِّزاعِ؛ ونراهم مأجورين متفاضلين، وشرفُ القَرابة والصُحْبةِ ثابتٌ لهم.

الإيمان والإسلام

والإيمان هو التصديق القلبي الجازم مع الإذعان والتسليم بجميع ما جاء به سيدنا محمد من الأحكام الشرعية الضرورية وهي التي اشتهرت بين عامة المسلمين بحيث صار العلمُ بها غيرَ محتاج إلى دليل، كوحدانية الله، ونبوة محمد ، واليوم الآخر، ووجوب أداء الصلاة، ووجوب إيتاء الزكاة، ووجوب الصِّدق، وحرمة الزنى، وحرمة الرِّياء، وإباحة البيع.

والكفرُ هو عدمُ التصديق القلبي ولو لحكم واحد من الأحكام الشرعية الضرورية.

والإسلامُ هو عمل الجوارح مذعنةً للأحكام الشرعية، كالنطق بالشهادتين للدخول في الإسلام وهو قولنا: (أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله، وأشهدُ أن محمدًا رسولُ اللهِ)، وكأداء الصلاةِ والزكاةِ والصيامِ والحجِ والجهاد وتحكيم الشريعة، وغيرها.

والنطق بالشهادتين مع تصديق القلب شرطٌ لإجراءِ الأحكامِ الشرعيةِ الدنيويةِ على الناطق بهما كعصمة دمه وماله وعِرْضه، والصلاة خلفه وعليه، والتزاوج، والتوارث، وأما أعمالُ الجوارحِ الأخرى فشرطُ كمالٍ في الإيمانِ، فهو يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.

ولا نُكَفِّرُ أحدًا من أهلِ القِبْلَةِ بارتكاب معصية ما لم يفعلها معتقدًا أنها حلال، ولا نُخرِجُ أحدًا من الإيمانِ إلا بنقضِ ما أدخَلَه فيه.

التوحيد

والتوحيد الصحيح المنجي لصاحبه من الخلود في النار هو الاعتقاد الجازم بأربعة أمور مجتمعة، وهي:

[1] وحَدانية ذات الله، وتعني: [أ] نفي تركب ذات الله من أجزاء وأعضاء وجوارح، كاليد والعين، و[ب] نفي وجود ذات أخرى تشبه ذات الله أو تماثلها، أي: عدم وجود إله آخر فأكثر، كإلهي الخير والشر عند المجوس، والآلهة الثلاثة عند النصارى: الأب والابن والروح القدس.

[2] وحَدانية صفات الله، وتعني: [أ] نفي العدد في حقيقة كل صفة من صفات الله، فله تعالى حياة واحدة، وعلم واحد، وإرادة واحدة، وقدرة واحدة، وكلام واحد، وسمع واحد، وبصر واحد، و[ب] نفي أن يكون لغير الله صفة تشبه صفة من صفاته تعالى، فليس لأحدٍ حياة كحياته، ولا علم كعلمه، ولا إرادة كإرادته، ولا قدرة كقدرته، ولا كلام ككلامه، ولا سمع كسمعه، ولا بصر كبصره.

[3] وحَدانية أفعال الله، وتعني: نفي أن يكون لغير الله فعل من الأفعال على وجه الإيجاد والتأثير، فهو الخالق وهو الرازق وهو النافع وهو الضار وهو المحيي وهو المميت، لا مثيل ولا شبيه ولا نظير ولا شريك له في كل ذلك، وإنما ينسب الفعل للبشر على وجه الكسب والاختيار، فليس لشيء من المخلوقات مع الله تأثير في شيء من الأشياء، فلا تأثير للتداوي في الشفاء، بل الله يخلق الشفاء من المرض عند ابتلاع حبة الدواء لا أن في الابتلاع أو في حبة الدواء قوة مؤثرة تخلق الشفاء في المريض، فابتلاع حبة الدواء سبب عادي للشفاء، يعني ربط بين أمرين: (الابتلاع) و(الشفاء)، وقد اهتدى الإنسان لهذا الربط من خلال تكرار التجارب الطبية، ولكن هذا السبب العادي لا تأثير له (بمعنى: لا خَلْقَ له) ويمكن تخلفه كما صارت النار بردًا وسلامًا على سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله لم يخلق الإحراق عند مماسة النار لجسده.

[4] انفراد الله باستحقاق العبادة.

العبادة

والعبادةُ هي غايةُ الخضوعِ والتذللِ الباطنيِّ والظاهريِّ لموجود يعتقدُ الخاضعُ المتذللُ بقلبه أنَّ له بعضًا -ولو واحدةً- من خصائصِ الربوبيةِ.

فالتوسلُ بالأنبياء والصالحين، والتبركُ بهم، وزيارةُ قبورِهم عباداتٌ صحيحةٌ إذا اعتقد الخاضعُ أن لا مؤثرَ في الكونِ غيرُ اللهِ، وكانت على وفقِ الدليلِ الشرعيِّ، وعباداتٌ باطلةٌ إذا كانت على خلافِ الدليلِ الشرعيِّ، وشركٌ إذا اعتقدَ الخاضعُ أنَّ النبيَّ أو الصالحَ أو المقبورَ مؤثرٌ من دونِ اللهِ أو مع اللهِ.

والشِّركُ هو عدم الاعتقاد الجازم بوحَدانية ذات الله، أو بوحَدانية صفات الله، أو بوحَدانية أفعال الله، أو بانفراد الله باستحقاق العبادة.

((القسم الثاني: في أصول الفقه))

الحكمُ الشرعيُّ هو خطابُ اللهِ المتعلقُ بفعلِ المكلفِ، وإنكار تعلق الأحكام الشرعية ولو بفعل واحد من أفعال المكلف يُسمَّى علمانية.

فالواجب: ما نثاب على فعله ونعاقب على تركه، والمستحب: ما نثاب على فعله ولا نعاقب على تركه، والحرام: ما نعاقب على فعله ونثاب على تركه، والمكروه: ما نثاب على تركه ولا نعاقب على فعله، والمباح: ما لا نثاب ولا نعاقب على فعله أو تركه.

والمجتهد هو المؤهل لاستنباط الحكم الشرعي من الدليلِ المعتبرِ الثابتِ السالمِ من المعارضِ، ويحرم الاستنباطُ على غير المجتهد.

والدليلُ الشرعيُّ المعتبرُ إما مُتَّفقٌ عليه وهو القرآنُ والسنةُ والإجماعُ والقياسُ ولو في العبادات، أو مُختَلَفٌ فيه كالاستصحابِ، وشرعِ من قبلنا، وقولِ الصحابيِّ، والمصلحةِ المرسلةِ، والاستحسانِ، وعملِ أهلِ المدينةِ، وسدِّ الذرائعِ، والعرفِ، وغيرِها.

والقرآن الكريم: هو كلام الله اللفظي الدَّال على كلامه النفسي القديم، المنزل على سيدنا محمد باللسان العربي، المعجز بأقصر سورة منه، المتعبد بتلاوته.

والسنةُ النبويةُ: هي أقوالُ سيدِّنا محمدٍ وأفعالُه. وتقريرُه فعلٌ من أفعاله. وتركُه العدميُّ غيرُ المقصودِ ليس بفعلٍ. والسنةُ النبويةُ نُقلت إلينا إما بالتواترِ أو بالآحادِ.

وخبرُ الآحادِ المقبولُ حجةٌ في الفقهِ. وقطعيُّ الدِلالةِ منه حجةٌ في العقائدِ. ويجوزُ العملُ بالضعيفِ منه بثلاثة شروط: [1] أن يكون في فضائل الأعمال، أي: ليس في العقائد، ولا في الحلال والحرام، و[2] ألا يكون ضعفه شديدًا، كأن يكون في سنده متهم بالكذب، و[3] أن يندرج تحت أصل شرعي معمول به.

البدعة

والبدعة هي الأمر الحادث المنسوب إلى الدين، وتنقسم إلى:

1.   بدعة سيئة: وهي ما أُحدثَ من عقيدةٍ أو عبادةٍ على خلافِ الدليلِ الشرعيِّ، كاعتقادِ أن الإنسان يخلق أفعاله كالمشي والأكل والكتابة، وكالتعبدِ بإيلامِ الجسدِ حزنًا على صالحٍ أو عزيزٍ.

2.   بدعة حسنة: وهي ما أُحدثَ من عقيدةٍ أو عبادةٍ على وفقِ الدليلِ الشرعيِّ العامِ، كاعتقادِ أن الله تعالى ليس بجسم، وكالتعبدِ بالاحتفاءِ بالمولدِ النبويِّ الشريفِ.

التمذهب

ويجبُ على غيرِ المجتهدِ المطلقِ اتباع أرجحِ المذاهبِ الأربعةِ (الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي) في ظنِّهِ في عباداته ومعاملاته وسائر أمور حياته، مع جوازِ الانتقال إلى غيره من المذاهب الثلاثةِ الأخرى بلا تلفيقٍ، ولا تتبعِ رخصٍ ممنوعٍ.

القانون الإسلامي

ويحرمُ القضاءُ والإفتاءُ بغيرِ معتمدِ المذاهبِ الأربعةِ إلا لحاجةٍ عامةٍ يقدرُها الفقهاءُ العدولُ في كلِ بلدٍ.

وطاعةُ السلطانِ المسلمِ واجبةٌ في غيرِ معصيةٍ، والخروجُ عليه حرامٌ ولو كان فاسقًا؛ درءًا لأعظم المفسدتين وهي سفك الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال.

الاستفتاء

ويجب على المسلم غير المجتهد أن يستفتي فقيهًا في بلده، غير مبتدع ولا فاسق، قد شَهِدَ له شيوخه المعتبرون -أو من في طبقتهم- بالعالِمية، واشتهر بين الناس تعمقه في أحد المذاهب الأربعة حصرًا، بشرط أن يلتزم صراحةً بالفتوى بمعتمد مذهبه، وأن يكون حاذقًا في الإفتاء بحيث لا يُخَطِّئه كثيرًا فقهاءُ عصره ممن هم على مذهبه لاسيما فقهاء بلده.

ولا يجب على المفتي ذكر الدليل للمستفتي، ويجوز ذلك إذا غلب على ظن المفتي أن المستفتي قادر على فهم الدليل، وأن الغاية من طلب الدليل هي الإذعان للفتوى.

التبليغ

والأمرُ بالمعروفِ -وهو ما حسَّنه الشرعُ-، والنهيُّ عن المنكرِ -وهو ما قبَّحه الشرعُ-، باليدِ واللسانِ فرضا كفايةٍ على العالمِ، الآمنِ من منكرٍ أعظم وإلا حَرُم، وأن يأمن على نفسه أو عِرضه أو ماله، وأن يغلب على ظنِّهِ تحصيلُ المعروفِ أو إزالةُ المنكرِ، فإن شكَّ في الأمرين سقط الوجوب عنه، في كلِ أمرٍ ظاهرٍ مُجْمَعٍ عليه، فلا إنكارَ في المختلفِ فيه إلا على من فعلَهُ وهو يعتقدُ خلافَهُ.

((القسم الثالث: في التزكية))

والتزكيةُ هي تطهيرُ النفسِ من كلِ خُلُقٍ مذمومٍ كالحقدِ والحسدِ والكسلِ، وتحليتُها بكلِ خُلُقٍ محمودٍ كالإخلاصِ والصدقِ والصبرِ.

وتجبُ على من ابتُلِي بمرضٍ قلبيٍّ. وطريقُها التأسي بأخلاقِ النبيِّ ، ومصاحبة شيخ مرب عالم ثقة، والأخذ بالأحوط من الواجبات والمستحبات، واجتناب المحرمات والمكروهات، والاقتصار على الضروريات من المباحات، وأن ينوي بفعل المباحات التقوي على الطاعات، ومراقبة الله في كل حال، والتزام ورد يومي من القرآن الكريم والدعاء والأذكار المقيدة بالأعمال والأوقات والأذكار المطلقة لاسيما كلمة الشهادة، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستغفار.

وتجبُ التوبةُ من الكبائرِ والصغائرِ فورًا، وشروطُ التوبةِ النصوحِ: تركُ المعصيةِ في الحالِ، والندمُ على فعلِها في الماضي، والعزمُ على عدمِ العودةِ إليها في الاستقبالِ، وردُّ حقوقِ العبادِ أو استرضاؤهم.

وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على سيدِّنا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعين.